تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

قراءة في تأملات بطريرك القدس: المائدة بين الأرض والسماء

قراءة في تأملات بطريرك القدس: المائدة بين الأرض والسماء

الأحد السادس والعشرون من الزمن العادي (السنة ج)

قراءة وإعداد: هيئة التحرير "نبض الحياة"

في تأمله للأحد السادس والعشرين من الزمن العادي (السنة ج)، قدم الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، قراءة عميقة لمثل لعازر والغني (لوقا 16:19-31)، مسلطًا الضوء على الفرق بين الواقع الأرضي والوعي الروحي، وبين الثروة والإهمال، وبين المشاركة والانعزال.

يبرز التأمل شخصيتين رئيسيتين: الغني، الذي يحضر الوليمة، ولعازر الفقير، الذي يبقى خارجًا عاجزًا عن اقتطاف الفتات. هذه الصورة تذكّر بما تجسده نصوص الإنجيل من لقاء يسوع بالمائدة، حيث يجلس محاطًا بالفقراء والخطأة والمتعبين، في مشهد متكرر يبيّن أن موائد الرب مفتوحة للجميع ولا يُحرم منها أحد. فالولائم ليست مجرد أطعمة، بل رموز للصداقة، المشاركة، والحياة الروحية المشتركة.

يتابع بطريرك القدس التأمل موضحًا كيف أن الغني، على الرغم من امتلاكه الثروة، اختار أن يغفل عن حاجة لعازر، ولم يمنحه نظرة أو مشاركة بسيطة. وهنا يظهر المعنى العميق للفعل "يرى"، الذي يظهر في نص الحياة بعد الموت، حين يكتشف الغني في الحياة الأخرى عجزه عن الوصول إلى أبسط أشكال الرحمة، ويفشل في تجاوز الحواجز التي بناها لنفسه.

يشدد التأمل على أن التحول لا يأتي من أعمال كبيرة أو معجزات خارقة، بل من التفاصيل الصغيرة: مشاركة الفتات، نظرة رحيمة، وقبول الآخر. فحتى الغني في الجحيم لم يطلب شيئًا كبيرًا، بل قطرة ماء لتخفيف العذاب، لكن الاختيارات التي اتخذها في الحياة أغلقت الأبواب أمامه.

كما يشير بطريرك القدس إلى أن التوبة الحقيقية لا تحدث من خلال علامات استثنائية أو معجزات، بل عبر التجربة اليومية المتواضعة والقدرة على الاستماع إلى كلمة الله، كما عبر عن ذلك الحوار بين إبراهيم والغني حول إخوة الغني: التغيير يبدأ بالوعي، بالمشاركة، وبالرحمة، لا بالخوف أو العصيان.

في ضوء هذا التأمل، تبدو رسالة بطريرك القدس واضحة: الدعوة إلى التوبة الحقيقية والمشاركة الصادقة ليست مجرد شعائر دينية، بل مسؤولية إنسانية تتطلب النظر بعين الرحمة إلى الآخرين، وتحويل نعم الله إلى فعل ملموس يخفف معاناة الناس، ويقرب الإنسان من الله كما اقترب لعازر من حضن إبراهيم.